حبيبتي .... والقمر..!

[حازم صيموعة]

في ليلة صيفية جلست وحيداً والشوق يعتصرني والذكريات تطاردني...
نظرت إلى السماء بقمرها المشع وكأنه قنديل وسط عالم من الظلام الدامس
ونجومها المتلألئة وكأنها حبات لؤلؤ أبيض على ثوب متشح بالسواد...
فبدأت الصور تتعاقب في مخيلتي ... وفي خضم هذا الجو الذي اختلط فيه
جمال المنظر بحرقة الشوق تراءت لي صورتك وانطبعت على وجه السماء....
وفجأة اختفى القمر خلف وشاح الخجل وتساقطت النجوم في بحر اللانهاية ....
وبقيت صورتك وحيدة لتضيء عتمة السماء.....

أدهشني الحدث وظننت أنها إحدى أحلام اليقظة أو مجرد تخيلات لعقلي المجنون في حبك...
وعندها سمعت صوتاً يقول : لا إنها حقيقة وليست تخيلات
تملكتني الحيرة ولم أنطق ببنت شفة للحظات..!
وإذا بالصوت يعود من جديد قائلاً: ما بك لا ترد ؟
فسألته : من أنت ؟
قال : أنا القمر
سارعته بالسؤال : وأين اختفيت ؟
جاوبني وبصوته شيء من الحزن : ألا تخاف من ربك يا ظالم ..؟! أوَلا تخجل أن تسألني أين أنا؟!
فقلت : مهلك ... وماذا فعلت لك!؟
قال : منذ بداية الزمان وأنا متربع على عرش مملكة الجمال ... وأطلع كل ليلة لأضيء عتمة الليل
ليستأنس بي العاشقون ويحلم بي الحالمون.....
فصرت شغلهم الشاغل ... وصار الكل يحلم بي والكل يتشبه بي ... فإذا ما أراد عاشق التغزل
بحبيبته شبهها بالقمر... وإذا أرادت أم التباهي بأبنائها شبهتهم بالقمر...... إلى أن جئت أنت...
قاطعته مستغرباً : وما دخلي أنا ؟!
أجابني غاضباً : لا تتنصل من المسؤولية .... أنت المسؤول عن حرماني من عرش مملكتي...
قلت له : كيف ذلك ....!!!؟
قال وقد بدأ بالبكاء : حبيبتك أجمل مني .....
فأجبته : طبعاً هي أجمل منك .... ولكنها لم تولد اليوم والله صورها بهذا الجمال منذ أن ولدت ...!!
قال : ولكنه خلقها على الأرض ..... أما أنت فقد أصعدتها إلى السماء ... لتسلبني عرشي وتبعد
عني حاشيتي من النجوم المتلألئة....
قلت: وما العمل الآن..؟
قال : لقد سلمت مفاتيح مملكتي لحبيبتك.... وحزمت أمتعتي وأنا راحل إلى مكان آخر لاأجد فيه من ينافسني...
أما حبيبتك ... فقد أصبحت ملكة جمالكم وقمركم الجديد.....
سارعته قائلاً: مستحيل أن أدع ذلك يحدث ... فأنا لا أستطيع الاستغناء عن حبيبتي....
قال : لقد جنيت على نفسك ولتتحمل مسؤولية ما اقترفت يداك.... فأنت من أصعدتها إلى هنا وهذا جزاؤك على ذلك
قلت: أرجوك ...... جد لي حلاً آخر...
قال: هناك حل وحيد ولكنه صعب عليك....
قلت: ويحك ... فلتتكلم وأنا جاهز لما تريد...
قال: عليك أن تسلم قلبك لحبيبتك.... وألا تفكر يوماً بالتخلي عنها .... وتبايعها ملكة روحك ومنبع الحب في قلبك...
وإذا فكرت ولو للحظة بحب فتاة سواها ... فإنها سوف تعود إلى السماء لتستعيد عرشها....
أجبته : موافق و بلا تردد...
وفجأةً عاد القمر إلى مكانه وعادت النجوم لكي تزين السماء.... فتنفست الصعداء وشكرت الله أن هذه المشكلة قد انتهت على خير


والآن أقول لكِ: هل تقبلين بقلبي مسكناً أبدياً وعرشاً ملكياً لا ينازعك عليه أحد ....؟ خذيه فهو ملكك الآن ولتفعلي به ما شئت...
وإن قررت يوماً الرحيل عني .... فلتبقيه معك أينما ذهبت فلا حاجة لي به من دونك...
وبماذا يفيدني قلب لستِ موجودة فيه ....؟! فهو عندئذٍ كبلبل أصابه الخرس.... فمل منه صاحبه ولكنه في نفس الوقت يشفق عليه ...
فلا هو يستفيد منه ــ وما نفع بلبل بلا تغريد ــ ولا هو قادر على قتله.....